البداية ما لها وما عليها
ماذا عن بدايتكم، والصعاب التي واجهتموها؟
– ولدت عام 1959 في ثاني أكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين في مدينة رفح، لأسرة ثرية بأفعالها، وحبها للعلم والمعرفة، متواضعة الحال، تضم أبوين وستة إخوة، ولم تدّخر والدتي جهداً في تربيتنا، وتعليمنا، مضطلعة في ذلك بدور الأب إلى جانب دورها، حيث كان والدي أسيراً في حرب حزيران عام 1967، قبل أن يعود سالماً بعد عملية تبادل أسرى أشرف عليها الصليب الأحمر الدولي. والحقيقة لا يمكنني وصف الحال المعيشية الصعبة والبائسة التي عشت مراحل حياتي الأولى فيها داخل المخيم، ما دفعني للخروج إلى العمل أوقات الدراسة، فكنت وأنا في الثامنة، أشتري الذرة من المزارع، وأبيعها لأهالي المخيم. ومن ثم لجأت إلى بيع بذور البطيخ المقلي في المقاهي والأسواق.
وقال: في يوم الجمعة كنت أعمل في الحقول، بقطف الخضراوات والفواكه المتنوعة، وفقاً للموسم الزراعي، وفي الإجازة الصيفية كنت أذهب مع أقراني للعمل داخل فلسطين المحتلة لمدة شهرين متكاملين، في أحوال غير ملائمة، حيث كنا ننام في العراء بين الأشجار، وفي الحدائق، وبمرور الوقت توجهت إلى القاهرة للدراسة في مدارس تابعة لمنظمة «أونروا» (وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين)، وهناك لم تضعف عزيمتي، ولم يداخلني اليأس والإحباط، ولم أستسلم، رغم صعوبة الأحوال المعيشية، فقد كنت مصراً على استكمال دراستي، والاجتهاد فيها، فلا مكان للمستحيل في قاموس حياتي منذ نعومة أظفاري، لذا كنت أسير مسافات طويلة للوصول إلى مدرستي، وكنت أدرس صباحاً، وأعمل مساء، وأسافر في الصيف بحثاً عن الرزق، ومع ذلك، كنت مصرّاً على نيل المركز الأول الذي ما كنت أرضى بسواه، وبالفعل أحرزته في مرحلة الثانوية العامة، وبعدها حصلت على منحة دراسية خاصة، كانت تعطى للمتفوقين، والتحقت بكلية الهندسة جامعة حلوان، وتخرجت فيها ببكالوريوس الهندسة التطبيقية عام 1982.
المسيرة العملية
كيف حطت بكم الرحال في الإمارات؟ وكيف بدأتم المسيرة العملية؟
– عقب تخرجي عام 1982 قررت التوجه إلى دولة الإمارات للعمل، وتحقيق الذات، وكانت إمارة الشارقة نقطة البداية في درب تكوين النفس، وترجمة الأحلام، وفيها بدأت مهندس ديكور لمدة 4 سنوات في محل مفروشات، وخلال تلك السنوات ظلت تدور في ذهني فكرة إنشاء مشروع خاص بي، ومع الوقت كانت الفكرة تتعمق وتكبر داخلي، إلى أن تبلورت، فقررت عام 1986 تأسيس أول مشروع خاص لي، وكان أن أنشأت شركة «فاست» للصيانة والديكور، وكنت أعمل على تنميتها بدأب كبير.
ومن ثم عقب مرور 10 سنوات، جاءت نقطة التحول الرئيسية في مسيرتي العملية، حيث في عام 1996 أسست على أرض الشارقة شركة «فاست» لمقاولات البناء. وبدأت بحصد نجاحات باهرة، مع نمو الشركة ونجاحها، حيث اتخذت شركتي منذ إنشائها استراتيجية ومنهجاً ثابتاً، وهو الاستباقية في التطوير، بتبنّي نظام إداري، وتأسيس نظام هيكلي للموظفين، يحدد مسؤولياتهم، لتحقيق رسالة الشركة التي اعتمدت كذلك نظام تواصل سهل بين جميع العاملين منذ البداية، مواصلة طريق النهوض بخطوات فعالة، مع بنائها علاقات قوية مع العملاء، وكسب ثقتهم، لاعتمادها الجودة أساساً للعمل، والابتكار، فضلاً عن رفد الشركة بمجموعة من الفنيين والإداريين والمهندسين، الذين يملكون الطموح والإرادة، وتوفير كل الإمكانات الفنية المؤازرة والمشجعة لهم.
ولا بدّ هنا أن أؤكد أن صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، قدوتي وملهمي، وتجمعني بسموّه علاقة طيبة، إذ إن سموّه قدوة ملهمة لكل إنسان يطمح إلى أن يكون رائداً في العمل المجتمعي والإنساني. ونتذكر دائماً كلماته التحفيزية والتشجيعية، وتثمينه لكل إنسان يحب الإمارة الباسمة. كما لا أنسى عندما قال لي يوماً إنه يريد أن تكون لي بصمة في مدينة خورفكان، وليس في مدينة الشارقة فقط، فمحبة سموّه كبيرة في قلوبنا جميعاً، حفظه الله، وأطال في عمره.
سرعة التنفيذ
لماذا حازت شركتكم لقب الريادة في سرعة التنفيذ؟
– من المؤكد أن قبول التحديات، وإنجاز المهمات الصعبة، سبيل لإثبات الجدارة، وكسب الثقة، حيث في عام 1997 كانت وزارة التعليم العالي، بحاجة إلى مجموعة مبان في زمن قياسي، وكان صاحب السموّ حاكم الشارقة، يرغب في إنجازها خلال أربعة أشهر، لحاجة الوزارة الملحّة إلى المبنى حينها. فكانت فرصة ذهبية لتثبت «فاست لمقاولات البناء» صحة شعارها «السرعة في التنفيذ»، فقبلت الشركة التحدي، وتمكنت من إنشاء مباني كليات التقنية العليا بالشارقة في أقل من أربعة أشهر، مع التزامها التام بأعلى معايير الجودة، فنالت بذلك النجاح الثقة الغالية من سموّه. ومن ثم توالت الأعمال، حيث أنشأت الشركة مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية.
أهم المشاريع
ما أهم المشاريع التي تفخرون بتنفيذها على أرض الإمارات؟
– نفذت «فاست»، باقة من أهم المشاريع الإنشائية وأكبرها في الشارقة، ذات البصمة المعمارية الفريدة، التي جمعت فيها بين دقة التنفيذ وجمال التصميم، حيث شيدت مقرات دائرة الثقافة والإعلام، ودائرة التخطيط والمساحة، ودائرة التنمية الاقتصادية، ومكتبة الشارقة العامة، وكلية الشرطة، ومباني قناة القصباء، وواجهة الشارقة المائية، وجزيرة العلم، وقاعة إفريقيا، وكلية الطب والعلوم الصحية بجامعة الشارقة، ودارة الدكتور سلطان القاسمي للدراسات الخليجية، وقاعة الجواهر، ومكتبة الجامعة القاسمية، ودار المخطوطات الإسلامية، ومباني ساحة الشهيد، وفندق «البيت»، فضلاً عن تشييد عدد من المراكز الرياضية مثل (نادي البطائح ونادي المدام )، ومركز سجايا فتيات الشارقة. كما أسهمت في مشروع مركز ابتكار شركة «سكاي واي»، الذي يقع في مجمع الشارقة للبحوث والتكنولوجيا والابتكار، ويتضمن أحدث تكنولوجيا النقل في الإمارة. ولحرصي على الإتقان في جميع تفاصيل أعمالي، أسست عام 2003 شركة «فاست للنجارة والألمونيوم»، لتكون مكمله للشركة الأم. وفي عام 2005 توسعت الشركة بعد افتتاح فروع في دبي وعجمان، وأضفت إليها كل الأنشطة المتعلقة بالإلكتروميكانيك، بما مكنني من الاستغناء عن أي مقاول من الباطن.
دعم التعليم
لماذا تهتمون بدعم التعليم بشكل خاص؟
– لا يوجد ما هو أعلى من المساهمة في دعم التعليم، فالعلم هو السبيل الوحيد للتقدم ورفاهية الشعوب، لذا ولإيماني بأنه إذا علّمت شخصاً، فإنك أحييت أسرة، بل مجتمعاً بأسره؛ أسست صندوق منحة في الجامعة الأمريكية بالشارقة، بقيمة مليوني درهم، لمساعدة الطلاب المتفوقين، وكذلك صندوقاً في جامعة عجمان، وآخر في جامعة فلسطين. وحرصت على رعاية برنامج منشد الشارقة الصغير، وبرنامج منشد الشارقة الكبير، لما لهما من أثر كبير في الشباب العربي. واختُرت عضواً في المجلس الاستشاري لكلية الحوسبة والمعلوماتية بجامعة الشارقة. فضلاً عن ذلك تركز مؤسسة فتحي عفانة للأعمال الإنسانية على دعم التعليم، وتمكين الشباب. فيما ناقشت عام 2019 وفي مؤتمر عالمي التعليم واللغة وحقوق الإنسان في مجتمع الأقليات، بناء على دعوة من الأمم المتحدة.
رد الجميل
كيف عملتم على ردّ الجميل لإمارات الخير مجتمعياً وتطوعياً وإنسانياً؟
– الامارات صاحبة الفضل في كل ما حققته، ووصلت إليه، وإمارة الشارقة كانت كريمة معنا في دعم نموّنا، ونجاحنا، لذلك أؤمن بأنه لديّ مسؤولية شخصية لرد الجميل لدولة السخاء والدعم، فالوطن يستحق منا الكثير، وإمارتنا الحبيبة هي وطن يسكننا، لذا نسعى إلى تقديم كل الدعم لأي تظاهرة وطنية، وندعم كل منجز حضاري، لكي تبقي شارقتنا الغالية منارة دائمة الإشراق. وأحرص على أن أكون سباقاً في ردّ الجميل لهذا الوطن، في كل مناسبة وحفل، فأسارع إلى دعم الأعمال المجتمعية والتطوعية والإنسانية ورعايتها، ومن ذلك مراكز أصحاب الهمم، ومنها مركز أولادنا، والنور، والشمس، ومركز راشد للمعاقين، وغيرها، إلى جانب تقديم الكثير من المنح الدراسية للطلاب الجامعيين لمساعدتهم على استكمال تعليمهم. كما أدعم سنوياً تخريج عشرات الطلاب الذين توقف تخرجهم لأسباب مادية، سواء داخل الإمارات أو خارجها، وأعمل على مساعدة السجناء المعسرين. فضلاً عن بناء المساجد، وإقامة موائد الرحمن لأكثر من ألف صائم في الشهر الفضيل، ورعايتي لكثير من الفعاليات، ومنها مؤتمر الملكية الفكرية للحقوق الذي عقدته شرطة دبي أكثر من مرة، وجائزة تحفيظ القرآن الكريم في الجامعة القاسمية منذ تأسيسها، والقافلة الوردية منذ أكثر من 6 سنوات، وإحداث مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية، وفرق كرة السلة، وكرة القدم بنادي الشارقة، والرياضة النسائية، وجمعية أصدقاء التهاب المفاصل، مع شراكتي الدائمة في جميع أنشطتهم، وكذا أنشطة الهلال الأحمر الإماراتي، وغيرها.
والحقيقة وجدت أن العطاء يزيد من الخير والبركة، وينمّي الشعور الداخلي بالرضا، لذا كانت مساهماتي في الفعاليات الثقافية، والاجتماعية، حيث وبالتواصل مع ذوي الاحتياجات الخاصة، وجدت أن هممهم أعلى مما يمكن للفرد أن يتصور، فبدأت بالتواصل مع جمعيات مختلفة، ترعى هذه الفئة، وعن حب، حاولت دعم هذه الجمعيات، والمؤسسات ولو بشيء يسير، فيما أسست «مؤسسة فتحي عفانة للأعمال الإنسانية»، ونصّبتُ أميناً عاما للعرس الجماعي العربي الأول الذي أقامته منظمة الأسرة العربية في الشارقة، تزامناً مع مئوية زايد الخير، وإنشاء مسجد «البشير» في الشارقة، ويعدّ تحفة معمارية إسلامية عالية المستوى، ويضم مكتبة كبيرة، فيها أكثر من ألفي كتاب بلغات عدة، وتنظم في المكتبة ندوات، ونقاشات ثقافية ودينية، للتعريف بالدين الإسلامي، ويتردد عليها كثير من الجنسيات للتزود بالعلم والمعرفة، وغير ذلك.
جوائز مختلفة
ما أبرز الجوائز والميداليات التي حصدتها، والألقاب التي حصلت عليها؟
-حصلت على جوائز مختلفة، منها ميدالية «بصمة أمل» من مؤسسة الإمارات الوطنية، وجائزة الشيخ عيسى بن علي للعمل التطوعي، وجائزة الشارقة للعمل التطوعي مرتين عامي 2015 و2018، وجائزة أولية من مئة فكرة عن أوبريت عام زايد، وقناة أفراح العرب، ومنحت لقب سفير دولي لجامعة فلسطين، وسفير الإنسانية 2018-2019، وسفيراً لمنظمة الأسرة العربية، وغيرها.
نصائح واجبة
نقول لأجيال المستقبل، البداية نصف كل شيء، وبالعمل الجاد تتحقق الأحلام الكبيرة، وإذا طرقت الفرصة بابكم فكونوا مستعدين لاستضافتها، ولا تؤمنوا بالحظ، ولكن بالعمل الشاق لإثبات الذات، وإذا أردتم شيئاً بشدة، اسعوا وراء تحقيقه، والعالم كله سوف يطاوعكم في ذلك، والشاب هو المسؤول عن حياته، وليتحمل المسؤولية بالمضي إلى الأمام، ولا يحاول إقناع الآخرين بما يريد أن يفعل، وليترك نتائج جهده وعمله هي التي تقنعهم.